فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي ستحشر يوم القيامة، فبينما هم وقوف إذ جاءهم مناد من الله: ليعتزل سفاكو الدماء بغير حقها. فيميزون على حدة، فيسيل عندهم سيل من دم، ثم يقول لهم الداعي: اعيدوا هذه الدماء في أجسادها. فيقولون: كيف نعيدها في أجسادها؟ فيقول: احشروهم إلى النار. فبينما هم يجرون إلى النار إذ نادى مناد فقال: إن القوم قد كانوا يهللون. فيوقفون منها مكانًا يجدون وهجها حتى يفرغ من حساب أمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يكبكبون في النار {هم والغاوون}، {وجنود إبليس أجمعون}».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن أبي أمامة أن عائشة قالت: يا رسول الله يكون يوم لا يغنى عنا فيه من الله شيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم في ثلاث مواطن: عند الميزان، وعند النور والظلمة، وعند الصراط. من شاء الله سلمه وأجازه، ومن شاء كبكبه في النار قالت: يا رسول الله وما الصراط؟ قال: طريق بين الجنة والنار يجوز الناس عليه مثل حد الموسى، والملائكة صافون يمينًا وشمالًا يخطفونهم بالكلاليب مثل شوك السعدان وهم يقولون: سلم سلم {وأفئدتهم هواء} فمن شاء الله سلمه ومن شاء كبكبه في النار».
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وما أضلنا إلا المجرمون} يقول: الأوّلون الذين كانوا قبلنا اقتدينا بهم فضللنا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة {وما أضلنا إلا المجرمون} قال: إبليس وابن آدم القاتل.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج {فما لنا من شافعين} قال: من أهل السماء {ولا صديق حميم} قال: من أهل الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {ولا صديق حميم} قال: شفيق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فلو أن لنا كرة} قال: رجعة إلى الدنيا {فنكون من المؤمنين} قال: حتى تحل لنا الشفاعة كما حلت لهؤلاء. والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَبُرِّزَتِ}:
قرأ مالك بن دينار {وَبَرَزَتْ} بفتح الباء والراء خفيفةً، مبنيًا للفاعل، مسندًا للجحيم فلذلك رُفِعَ.
قوله: {فَكُبْكِبُواْ}: أي: أُلْقُوا، وقُلِبَ بعضُهم على بعض. قال الزمخشري: الكَبْكَبَةُ تكريرُ الكَبِّ. جَعَلَ التكريرَ في اللفظِ دليلًا على التكريرِ في المعنى. وقال ابن عطية نحوًا منه، قال: وهو الصحيحُ لأنَّ تكريرَ الفعلِ بَيِّنٌ نحو: صَرَّ وصَرصَرَ وهذا هو مذهب الزجاج. وفي مثل هذا البناءِ ثلاثةُ مذاهبَ، أحدها: هذا. والثاني: وهو مذهبُ البصريين أنَّ الحروفَ كلَّها أصولٌ. والثالث وهو قول الكوفيين أنَّ الثالثَ مُبْدَلٌِ من مثلِ الثاني، فأصل كَبْكَبَ: كَبَّبَ بثلاثِ باءات. ومثلُه: لَمْلَمَ وكَفْكَفَ. هذا إذا صَحَّ المعنى بسقوطِ الثالث. فأمَّا إذا لم يَصِحَّ المعنى بسقوطِه كانَتْ كلُّها أصولًا من غيرِ خلافٍ نحو: سِمسِم وخِمْخِم.
وواو كُبْكِبوا قيل: للأصنام؛ إجراءً لها مُجْرى العقلاءِ. وقيل: لعابديها.
قوله: {وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ}: جملةٌ حاليةٌ معترضةٌ بين القولِ ومعمولِه، ومعمولُه الجملةُ القسميةُ.
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97)}.
قوله: {إِن كُنَّا لَفِي} مذهبُ البَصْريين: أنَّ {إنْ} مخففة واللامَ فارقةٌ، ومذهبُ الكوفيين: أنَّ إنْ نافية، واللامَ بمعنى إلاَّ.
قوله: {إِذْ نُسَوِّيكُمْ}: {إذ} منصوبٌ: إمَّا ب {مُبين}، وإمَّا بمحذوفٍ أي: ضَلَلْنا في وقتِ تَسْويتنا لكم بالله في العبادةِ. ويجوز على ضَعْفٍ أَنْ يكونَ معمولًا ل {ضلال}، والمعنى عليه. إلاَّ أنَّ ضعفَه صناعيٌّ: وهو أنَّ المصدرَ الموصوفَ لا يَعْمَلُ بعد وصفِه.
{وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}.
قوله: {حَمِيمٍ}: الحميمُ: القريبُ مِنْ قولِهم: حامَّةُ فلانٍ أي: خاصَّتُه. وقال الزمخشري: الحميمُ مِنَ الاحتمامِ، وهو من الاهتمام، أو من الحامَّةِ وهي الخاصَّةُ، وهو الصديقُ الخالص والنفي هنا يَحْتمل نفيَ الصديقِ من أصلِه، أو نفيَ صفتِه فقط فهو من باب:
على لاحِبٍ لا يهتدى بمنارِه

والصديقُ: يحتمل أَنْ يكونَ مفردًا، وأَنْ يكونَ مُسْتَعملًا للجمع، كما يُسْتعمل العدوُّ له يقال: هم صديق وهم عدو.
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102)}.
قوله: {فَلَوْ أَنَّ}: يجوزُ أَنْ تكونَ المُشْرَبَةَ معنى التمني، فلا جوابَ لها على المشهورِ. ويكون نصبُ {فنكونَ} جوابًا للتمني الذي أَفْهَمَتْه لو ويجوزُ أَنْ تكونَ على بابِها، وجوابُها محذوفٌ أي: لَوَجَدْنا شُفَعاءَ وأصدقاءَ أو لَعَمِلْنا صالحًا. وعلى هذا فنَصْبُ الفعلِ ب أَنْ مضمرةً عطفًا على {كَرَّةً} أي: لو أنَّ لَنا كَرَّةً فكونًا، كقولها:
لَلُبْسُ عَباءةٍ وتَقَرَّ عيني

. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)}.
{أزلفت}: أي قُرِّبَتْ وأُدْنِيَتْ في الوقت، فإنَّ ما هو آتٍ قريبٌ، وبالعين أُحْضِرَتْ. وكما تُجَرُّ النارُ إلى المحشر بالسلاسل فلا يَبْعُد إدناءُ الجنة من المتقين.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} أُظْهِرَتْ؛ فتؤكَّدُ الحُجَّةُ على أرباب الجحود، ويُعْرَضُونَ على النار، وتُعْرَضُ عليهم منازلُ الأشرار، فَيُكَبْكَبُونَ فيها أجميعن، ويأخذون يُقِرُّونَ بذنوبهم، ومن جملتها ما أخبر أنهم يقولون:-.
{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)}.
ولا فضيحةَ أقبحُ ولا عيبَ فيهم أشنعُ مما يعترفون به على أنفسهم بقولهم: {إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فإنَّ أقبحَ أبوابِ الشِّرْكِ وأشنعَ أنواعِ الكُفْرِ وأقبحَ أحوالِهم- التشبيهُ في صفة المعبود.
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101)}.
في بعض الأخبار: يجيء- يومَ القيامة- عَبْدٌ يُحتَسَبُ فتستوي حسناتُه وسيئاته ويحتاج إلى حسنة واحدة يَرْضَى عنها خصومُ، فيقول الله- سبحانه: عبدي بقيت لك حسنةٌ واحدة، إن كانت أدْخَلْتُكَ الجنةَ، أُنظُرْ، وتَطَلَّبْ من الناس لعلَّ واحدًا يهب لَكَ حسنةً واحدةً. فيأتي العبدُ في الصفين، ويطلب من أبيه ثم من أمه ثم من أصحابه، ويقول لكلِّ واحدٍ في بابه فلا يجيبه أحدٌ، فالكلُّ يقول له: أنا اليومَ فقيرٌ إلى حسنةٍ واحدةٍ، فيرجع إلى مكانه، فيسأله الحقُّ- سبحانه: ماذا جئتَ به؟ فيقول: يا ربِّ لم يُعْطِني أحدٌ حسنةً من حسناته فيقول الله- سبحانه: عبدي، ألم يكن لك صديق فيَّ فيتذكر العبدُ ويقول: فلان كان صديقًا لي فيدله الحقُّ عليه، فيأتيه ويكلِّمه في بابه، فيقول: بلى، لي عباداتٌ كثيرة قَبِلَها اليومَ فقد وهبتُك منها، فيسير هذا العبدُ ويجيء إلى موضعه، ويخبر ربَّه بذلك، فيقول الله- سبحانه: قد قَبِلْتُها منه، ولن أنقص من حقِّه شيئًا، وقد غفرت لكَ وله، وهذا معنى قوله.
{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ}. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى {تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين}.
وهذه التسوية إنما كانت في الحب والتأله لا في الخلق والقدرة والربوبية وهي العدل الذي أخبر به عن الكفار بقوله والحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأصح القولين أن المعنى ثم الذين كفروا بربهم يعدلون فيجعلون له عدلا يحبونه ويعبدونه ويعبدونه كما يحبون الله ويعبدونه ويعظمون أمره. اهـ.
وقال أيضا:
وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات بحيث اعتقدوا أنها مساوية لله سبحانه في أفعاله وصفاته وإنما كانت تسوية منهم بين الله وبينها في المحبة والعبودية مع إقرارهم بالفرق بين الله وبينها فتصحيح هذه هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله فحقيق لمن نصح نفسه وأحب سعادتها ونجاتها أن يتيقظ لهذه المسألة علما وعملا وحالا وتكون أهم الأشياء عنده وأجل علومه وأعماله فإن الشأن كله فيها والمدار عليها والسؤال يوم القيامة عنها قال تعالى فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال غير واحد من السلف هو عن قول لا إله إلا الله وهذا حق فإن السؤال كله عنها وعن أحكامها وحقوقها وواجباتها ولوازمها فلا يسأل أحد قط إلا عنها وعن واجباتها ولوازمها وحقوقها قال أبو العالية كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون ماذا أجبتم المرسلين فالسؤال عماذا كانوا يعبدون هو السؤال عنها نفسها والسؤال عماذا أجابوا المرسلين سؤال عن الوسيلة والطريق المؤدية إليها هل سلكوها وأجابوا لما دعوهم إليها فعاد الأمر كله إليها وأمر هذا شأنه حقيق بأن تنعقد عليه الخناصر ويعض عليه بالنواجذ ويقبض فيه على الجمر ولا يؤخذ بأطراف الأنامل ولا بطلب على فضله بل يجعل هو المطلب الأعظم وما سواه إنما يطلب على الفضلة والله الموفق لا إله غيره ولا رب سواه. اهـ.

.تفسير الآيات (105- 122):

قوله تعالى {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أتم سبحانه قصة الأب الأعظم الأقرب، أتبعها- دلالة على وصفي العزة والرحمة- قصة الأب الثاني، مقدمًا لها على غيرها، لما له من القدم في الزمان، إعلامًا بأن البلاء قديم، ولأنها أدل على صفتي الرحمة والنقمة التي هي أثر العزة بطول الإملاء لهم على طول مدتهم، ثم تعميم النقمة مع كونهم جميع أهل الأرض فقال: {كذبت} بإثبات التاء اختيارًا للتأنيث- وأن كان تذكير القوم أشهر- للتنبيه على أن فعلهم أخس الأفعال، أو إلى أنهم مع عتوهم وكثرتهم كانوا عليه سبحانه أهون شيء وأضعفه بحيث جعلهم هباء منثورًا وكذا من بعدهم {قوم نوح} وهو أهل الأرض كلهم من الآدميين قبل اختلاف الأمم بتفرق اللغات {المرسلين} أي بتكذيبهم نوحًا عليه السلام، لأنه أقام الدليل على نبوته بالمعجزة، ومن كذب بمعجزة واحدة فقد كذب بجميع المعجزات لتساوي أقدامها في الدلالة على صدق الرسول، وقد سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن ذلك فقال: من كذب واحدًا من الرسل فقد كذب الكل لأن الآخر جاء بما جاء به الأول- حكاه عنه البغوي.
ولقصد التسلية عبر بالتكذيب في كل قصة {إذ} أي حين {قال لهم} لم يتأنوا بطلب دليل، ولا ابتغاء وجه جميل؛ وأشار إلى نسبه فيهم بقوله: {أخوهم} زيادة في تسلية هذا النبي الكريم {نوح} وأشار إلى حسن أدبه، واستجلابهم برفقه ولينه، بقوله: {ألا تتقون} أي تكون لكم تقوى، وهي خوف يحملكم على أن تجعلوا بينكم وبين سخطه وقاية بطاعته بالتوحيد وترك الالتفات إلى غيره؛ ثم علل أهليته للأمر عليهم بقوله: {إني لكم} أي مع كوني أخاكم يسوءني ما يسوءكم ويسرني ما يسركم {رسول} أي من عند خالقكم، فلا مندوحة لي عند إبلاغ ما أمرت به {أمين} أي لا غش عندي كما تعلمون ذلك مني على طول خبرتكم بي، ولا خيانة في شيء من الأمانة، فلذلك لابد لي من إبلاغ جميع الرسالة.